دراسة حديثة صادرة عن المعهد الأمريكي لتأمين السلامة على الطرق السريعة تؤكد أن وسائل تقنية بسيطة تضاف لأنظمة السيارات يمكنها أن تحد من الحوادث بنسبة لا تقل عن 11 % سنويًّا.
وليد الدين
منذ أن ابتكر المهندس الإنجليزي، جون بيربر، أول محرك احتراق داخلي عام 1791، تتواصل الجهود حول العالم لصناعة سيارات اقتصادية، ومريحة، وآمنة؛ لنقل البشر وأغراضهم في طول الأرض وعرضها.
والآن، فاقت أعداد سكان العالم 7 مليارات و500 مليون نسمة، كما قاربت أعداد السيارات المبيعة في عام 2017 فقط 80 مليون سيارة، وهو تقريبًا ضعف العدد المبيع في عام 1990 (39.2 مليون سيارة)، غير أن الأمر لا يخلو من مخاطر يدفع ثمنها أعداد كبيرة من البشر، إذ يفقد نحو 1.25 مليون شخص أرواحهم كل عام بسبب حوادث الطرق، علاوة على مئات الألوف الذين يُصابون بعاهات دائمة.
إلا أن ثمة تكنولوجيات بسيطة قد تُسهم في الحد من هذه المخاطر. فوفق الدراسة الصادرة مؤخرًا عن المعهد الأمريكي لتأمين السلامة على الطرق السريعة، فإن المركبات المزودة بتقنية حفظ الحارات Lane keeping system -وهي تقنية تمنع انجراف السيارة من حارة إلى حارة- أقل عرضةً للحوادث من المركبات غير المزودة بذلك النظام، ويمكن لتلك التقنية أن تحد من الحوادث بنسبة لا تقل عن 11% سنويًّا. وانتهت الدراسة إلى أن دمج عدد آخر من تقنيات الأمان البسيطة مع التقنية الجديدة قد يقلل الحوادث بنسبة تزيد على 21%.
مكونات النظام الجديد
ويتكون نظام تقنية حفظ الحارات من كاميرا فيديو للكشف عن علامات الحارات المرورية، ورصد موقع السيارة داخل الحارة. تقوم الكاميرا بمسح سريع ومستمر للحارة المرورية في أثناء حركة السيارة، ثم تنقل صورًا إلى مُعالج يعمل على تقييم وضع المركبة. يُبرمَج المعالج على قراءة الصور الوادرة إليه من الكاميرا، مع وضع القواعد المرورية في الحسبان.
بعد أن يقرأ المُعالج صور الكاميرا، يبدأ في إعطاء تحذيرات للسائق في عدة حالات، فإذا ما كانت المركبة تنحرف عن منتصف الحارة، يبدأ المعالج في إضاءة لمبة صفراء وإصدار صوت مزعج حتى يُعدل السائق من وضعية السيارة، أما إذا كان السائق يعتزم مغادرة الحارة المرورية في مكان لا يُسمح فيه بالمغادرة أو دون إعطاء الإشارة المناسبة للسائقين من حوله، فيُضيء النظام ضوءًا بلون مختلف، ويصدر صوتًا صاخبًا متصلاً؛ لتنبيه السائق للخطأ الذي ربما يؤدي إلى حادثة يفقد فيها حياته.
اعتمدت الدراسة على بيانات مُستقاة من محاضر الشرطة الخاصة بتحطُّم السيارات وحوادثها في 25 ولاية بأمريكا، بين عامي 2005 إلى 2015. حلل الباحثون كل البيانات المتعلقة بالسائقين، متضمنةً أعمارهم، وأجناسهم، وكذلك العوامل التي تسببت في وقوع الحوادث، وأنواع مركباتهم ونسب الأمان بها، ليجدوا أن التكنولوجيات المزودة بها سياراتهم –ككيس الهواء وأحزمة الأمان وأنظمة منع الانحراف عن الحارات ونظام مراقبة النقطة العمياء، وهي جميعًا تقنيات بسيطة- خفضت من معدل الإصابات القاتلة بنسبة 86% سنويًّا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. والنقطة العمياء هي تلك النقطة التي لا يتمكن عندها قائد السيارة من رؤية السيارات القادمة خلفه في المرايات الجانبية لسيارته.
إجراء مُلزِم
“تقنيات تعزيز السلامة يجب أن تُفرَض إجباريًّا على جميع مصنِّعي السيارات” تقول جيسيكا شيتكينو، نائب رئيس المعهد الأمريكي لتأمين السلامة على الطرق السريعة، والباحث الرئيسي في الدراسة، مشيرةً –في مكالمة لـ”للعلم” معها عبر سكايب- إلى أن تلك التقنيات كمكابح السيارات، يجب أن تكون إجبارية، مؤكدةً أن توافرها في السيارات سيسهم في التقليل من حوادث الطرق بنسب كبيرة.
يتكلف تركيب تقنية منع الانجراف من حارة إلى أخرى نحو 500 دولار للنظام الواحد –حوالي 8800 جنيه مصري – وهو مبلغ لا تراه جيسكيا كبيرًا مُقارنة بالفوائد التي ستعود على المجتمعات من تلافي الحوادث أو حتى الحد منها.
زيادة إنتاج السيارات الاقتصادية رخيصة الثمن تعني “الاستغناء عن وسائل الأمان” تقول جيسيكا، مضيفةً: “المصنِّعون لا يستطيعون الاستغناء عن محرك السيارة أو مِقوَدها، لكنهم يتخلون بكل بساطة عن أنظمة الاستشعار الالكترونية أو كيس الهواء”، وبالتالي –والحديث لا يزال لنائب مدير معهد السلامة- “يجب إجبار المصنِّعين والتجار -حتى في الدول النامية- على استيفاء كل معايير السلامة في السيارات”.
وتشهد البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 90% من الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في العالم، على الرغم من أنها لا تحظى إلا بنحو 45% من المركبات الموجودة في العالم، وذلك وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية.
ووفق التقرير العالمي عن حالة السلامة على الطرق، الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2015، لا تستوفي المركبات المبيعة في قرابة 80% من بلدان العالم أجمع معايير السلامة الأساسية؛ بسبب زيادة الطلب على المركبات في الاقتصاديات الناشئة.
وجهة نظر أخرى
إلا أن دراسة أخرى صادرة من معهد تمويل صناعة التأمين بالتعاون مع معهد إجيلاب ماساتشوستس للتكنولوجيا ترى أن التكنولوجيا ليست هي الحل، فالسائقون الذين تمتلئ سياراتهم بالتكنولوجيات الحديثة يقضون مزيدًا من الوقت في التحديق بشاشات العرض، وبالتالي ينصرف جزء من اهتمامهم عن الطريق، ما قد يؤدي إلى وقوع حوادث.
وتقول الدراسة إن السائقين الذين تزوَّد مركباتهم بأنظمة مراقبة النقطة العمياء لا ينظرون –في الغالب- في مرآة السيارة عند تغيير الحارات، وبالتالي فقد تقع حوادث ناتجة عن سوء التصرف وصرف الانتباه الذي تسببه التكنولوجيات الحديثة.
يتفق اللواء يسري الروبي -مساعد وزير الداخلية الأسبق للمرور- مع الدراسة الأخيرة؛ إذ يرى أن أنظمة منع السيارات من الانجراف إلى حارة أخرى “ذات جدوى محدودة، خصوصًا في مصر”؛ إذ يستلزم التخفيف من حوادث الطرق مجموعة من الإجراءات التي تأتي التكنولوجيا “في ذيلها”.
ويرى الروبي في حديثه لـ«للعلم» أن التكنولوجيات الحديثة قد تكون “وسائل تشتيت وصرف انتباه”، وفق رأيه، مشيرًا إلى أن تفادي الحوادث يجب أن يُعالَج بمنظومة كاملة أساسها “التوعية لا التكنولوجيا”.