السيوف
رفعت فارس
السيف هو رمز القوة، وأداة الحسم، والله عندما خلق الحديد جعل فيه بأساً شديداً. وقد عرف الأدب، والشعر تحديداً، كلمة السيف منذ اكتشاف الحديد، ومن الطبيعي أن يقترن السيف بيد حامله، ويرى العرب أن السيف يصبح جباناً حين يكون حامل السيف جباناً، وقد أجاد أبو الطيب المتنبي عندما قال:
إن السيوفَ مع الذين قلوبُهمْ َ كقلوبهنَّ إذا التقى الجمعانِ
تلقى الحسام على جراءة حدّهِ مثلَ الجبانِ بكفِّ كلِّ جبانِ
وقد تقلب هذا المعنى على أكثر من صورة، وأكثر من معنى، وتفنن الشعراء في نقل صفات السيف لحامله، وجعلو له أعصاباً تحسُّ، وسجنوه في غمده عقاباً له، وسمَّوْا باسمه الإنسان إذا كان فارساً مقداماً ” سيف الدولة الحمداني، ووصفوه بأجمل الصفات، وله في العربية أسماء لا تحصى، وجعلوا له جنسيةً: “اليماني، الهنداوي”، وجعلوا له صفات أخلاقية: “لا يحمدُ السيف كلّ من حملهْ“/المتنبي.
وقد حمل الشاعر عمر شبلي السيف على أوجه كثيرة، فهو يختبئ إذا لم لم يجد الإنسان الذي يستحق حمله. يقول عمر شبلي:/ لا يلمع السّيف إلا إذا كان صاحبهُ قربَهُ/. الحجر الصبور/من يوميات دويريج/ ص106 . لمعان السيف هنا حضوره خارج غمده، وهو يحاذي صاحبه استعداص ليلمع، وقد ذكر لنا عنترة بن شداد العبسي الوقت الذي يلمع فيه السيف:
فوددتُ تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ
والسيوف في شعر عمر شبلي لا تختلف عن سيوف المتنبي، فالمتنبي يصف السيف بالجبان إذا جبن صاحبه، أما عمر فإنه يعطي السيف شهامة الرجال وحميتها، ويعطيها صفة الذل. الصفات هذه تختلف عن الصفات التي أسبغها المتنبي على السيوف. فالسيف عند عمر يجبن ويتشجع تبعاً للقضية التي يحملها. يقول عمر: والسّيوف مثل أصحابها ذلّةٌ وحميّة. الحجر الصبور/ من يوميات دويريج ص : 106 .
والسيف في شعر عمر يرسم مشهداً اجتماعياً جميلاً يستحق الملاحظة، فكثير من الفوارس العرب تصعلكوا لأن قبائلهم خذلتهم. ولكن رابطة القبيلة تعيد الشاعر إلى القبيلة ليعيد نفس التجربة، وحين عاد اكشف أن القبيلة لا تزال في تخاذلها وتواكلها. وقد استطاع عمر أن يوظف هذه الصورة ليغمز من تواكل الأمة العربية وتخاذلها. لقد خذلوه، والخذلان هو أمر بالتصعلك، لأن الجماعة تخلّتْ عنه.
يقول عمر شبلي: / أمروني أن اتصعلك ثانية/ فلبستُ دمي/ وعددتُ سيوف قبيلتنا/ لكنّي لم أبصرْ في المحنة سيفًا خارج غمدْ/ إنّ الخلود / قطع من لحم ينمو من جديد ص: 251 . إن تجربة عمر شبلي القومية ليست تجربة شاعرٍ مترف، يكتب الشعر، وهو جالس على كرسيٍّ مريح. وإنما هو شاعر يكتب بدمه، لقد كان يعتبر أن خذلان العرب للقضية التي حملها، هو خذلان له شخصياً. التصعلك اليوم هو الشعور بالغربة بين قوم خذلوا ما يعتبره هو مقدساً. الشاعر هنا يستعمل لقظة “وعددتُ”.
وفي هذا الاستعمال إشارة إلى كثرة العرب وقلة حضورهم. لأنه لا يوجد في هذي الأمة سيفاً خارج غمد؟ وفي هذا كناية عن السلاح العربي المكدّس في المخازن إلى أن يصدأ. إن استعارة الماضي لتبيان الحاضر يجعل الشاعر يستعمل لفظة “يبصر” وفي البصر برهان لا يقبل التأويل.
وليثبت ما يقول يستعير صورة بغداد على مرأى وسمع العرب. لقد ذُبحت بغداد والعرب في غيبة أهل الكهف. لقد كانوا متآمرين ومتخاذلين، والعجيب أن التخاذل والخيانة ينبعان من مكان واحد. ويلجأ الشاعر إلى السؤال استنكاراً واحتقاراً لعرب شهدوا إعدام بغداد. يقول عمر شبلي في مقطع جميلٍ أخّاذ: / وقلنا ببغدادَ : أين سيوفُ بني عمّنا/ يومَها لم نجد حاكمًا شاهرًا شعبهُ/ شاهراً صوته/ وكانوا بغيرسيوف/ لماذا السيوف!!! على أي جرح / أخي في العراق ص : 181