الخطاب الاستشراقي الحديث في القراءات العربية
عامر عبد زيد الوائلي / الجزء الثالث
استاذ الفلسفة جامعة الكوفة
المعرفة واقعة تحت تأثير أوهام الثقافة وإحكامها القبلية عن الأخر، وحاجات السلطة لتبرير الهيمنة فقد هيمنت هذه الرؤية الاداتية على الفكر الأوروبي هو العقلانية والعلم والتقنية والمنظور الشمولي للعالم كان على الإسلام أن يكون نقيضًا كليًا له. لكن الركون إلى النموذج السوي الكامل وهو النموذج الأوروبي، والنموذج المشوه الناقص وهو النموذج الإسلامي؛ يدلل على أن المنظور الأوروبي يعيّن ذاته مرجعًا وحيدًا للعالم لا أكثر، يخترع الإسلام من تصوراته الذاتية قبل أن يتأمله بمقارنة موضوعية. لهذا يستطيع” ماك دونال” أن ينسب إلى الإسلام عدم القدرة على «تصور الحياة ككل، وميل للتأثر بفكرة واحدة وجهل بباقي الأشياء”([1])
أولا الهدف السياسي:
وقد كان الخطاب الاستشراقي ذو صلة بالخطاب السياسي من اجل التعرف على الأخر والسيطرة علية أي تعاضدت في الخطاب الاستشراقي السلطة والمعرفة مما جعلت منه خطابا واسع الانتشار اذ في القارة الأمريكية وحدها حوالي تسعة آلاف مركز للبحوث والدراسات، منها حوالي خمسين مركزاً مختصاً بالعالم الإسلامي، ووظيفة هذه المراكز تتبع ورصد كل ما يجري في العالم، ثم دراسته وتحليله مقارناً مع أصوله التاريخية ومنابعه العقائدية، ثم مناقشة ذلك مع صانعي القرار السياسي، ومن ثم تُبنى على أساس ذلك الخطط والاستراتيجيات، وتحدد وسائل التنفيذ لقد أصبح كل شيء خاضعاً للدراسة والتحليل، ولعل المختبرات التي تخضع لها القضايا الفكرية والدراسات الإنسانية أصبحت توازي تلك المختبرات التي تخضع لها العلوم التجريبية.؟
إذ ثمة تلازم بين المعرفة والسلطة إذ كل ما يصدر عن الغربيين ولأمريكيين من إنتاج فكري وإعلامي وتقارير سياسية واستخباراتية حول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن،رغم الطابع ليس علمي بشكل كامل ؛لأنه يحوي شئ من الايدولوجيا التي ارتبطت بالنهج المعتمد في إشباع أهدافه القائمة على السيطرة التي جعلت من الثقافة والمتأثرين بها: منهجا ورؤية قائمة على جعل متلقيها إتباع لها سواء كانوا غربيين أو من العرب المسيحيين الذين تم تلقينهم هذه الثقافة أو من المتأثرين بها من المسلمين فهم يعتمدون نفس الأدوات ويتقمصون نفس القناعات، لهذا ظهرت المهام التي يرمي لها الهدف السياسي هي:
1) إضعاف روح الإخاء بين المسلمين والعمل على فرقتهم لإحكام السيطرة عليهم.
2) العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة لتمزيق وحدة المجتمعات المسلمة.
3) كانوا يوجهون موظفيهم في هذه المستعمرات إلى تعلم لغات تلك البلاد ودراسة آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسونها ويحكمونها.
4) في كثير من الأحيان كان المستشرقون ملحقين بأجهزة الاستخبارات لسبر غور حالة المسلمين وتقديم النصائح لما ينبغي أن يفعلوه لمقاومة حركات البعث الإسلامي.
نظر الغربيون أن الديمقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى الآن، ولذلك فهم يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع، ومن بين الدول التي يريدون لنظامهم أن يسودها في البلاد الإسلامية، وقد سعوا إلى هذا من خلال عدة سبل وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي الإسلامي رغم أن الدول الإسلامية لم تطبق الشورى أو حاكميه الأمة بل أنها دول استبدادية ساهمة في ضعف الأمة المرتهنة إلى إرادة الحاكم المستبد الذي ساهم بسياسة الاختراق الغربية أن تنجح في فرض الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي والعربي.
ثانيا – الهدف الديني:
لقد كان الاستشراق وليد الاحتكاك بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني أيام الصليبيين، وعن طريق السفرات والرحلات ويلاحظ دائما أن هناك تقاربا وتعاونا بين الثالوث المدمر: التنصير والاستشراق والاستعمار، والمستعمرون يساندون المستشرقين والمنصرين لأنهم يستفيدون منهم كثيرا في خططهم الاستعمارية، كان الدافع الأساسي هو الجانب اللاهوتي النصراني بغية تحطيم الإسلام من داخله بالدس والكيد والتشويه، ولكن الاستشراق بعد ذلك وفي الآونة الأخيرة بدأ يتحلل من هذا القيد نوعا ما ليتوجه توجها أقرب إلى الروح العلمية.كان هذا الهدف وراء نشأة الاستشراق، وقد صاحبه خلال مراحله الطويلة، وهو يتمثل في:
1) التشكيك في صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
2) التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه.
3) التقليل من قيمة الفقه الإسلامي واعتباره مستمدا من الفقه الروماني.
4) النيل من اللغة العربية واستبعاد قدرتها على مسايرة ركب التطور وتكريس دراسة اللهجات لتحل محل العربية الفصحى.
5) إرجاع الإسلام إلى مصادر يهودية ونصرانية بدلا من إرجاع التشابه بين الإسلام وهاتين الديانتين إلى وحدة المصدر.([2])
6) العمل على تنصير المسلمين.
7) الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والأخبار الموضوعة في سبيل تدعيم آرائهم وبناء نظرياتهم.
8) لقد كان الهدف الاستراتيجي الديني من حملة التشويه ضد الإسلام.
9) وقد ترك الهدف اثر بارز في الأخر المسلم من اعتماد المنهج المعتمد في المعالجة بالإضافة التحليلي التجريبي إلى الرؤية العدمية والمتمركزة حول المركزية الأوربية في النظر الى العالم الإسلامي بوصفه المختلف أو العدو مما يبرر الهيمنة علية.([3])
وقد ترك هذا العامل اثر في ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا:
ا- ومن تأثير الاستشراق في المجال العقدي الاهتمام المبالغ فيه بالصوفية وبخاصة فتجدهم يجعلون لابن عربي مكانة خاصة في النشاطات الاستشراقية، ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه الاهتمامات.وهذا لها موجها تعود إلى محاولة الاستشراق النظر إلى الأخر من خلال الذات المسيحية التي وجدت في التصوف الأقرب إليها إلا أن هذا الأمر ليس الوحيد بل أن الاهتمام بالتصوف كان له مقاصد أخرى كالحوار والتثاقف كما لدى المستشرقة الألمانية: انه ماري شيمل “في كثير من كتبها تطلعت المستشرقة الألمانية الراحلة إلى التصوف كجسر بين الأديان والحضارات، ورأت أن التصوف ليس مجرد زهداً رومانسياً يقتصر على نفي الدنيا، بل إنه إحياء للقلوب وخلع للمعنى على ما لا معنى له، لننعم عن طريق التصوف بحرارة الوجد، ونتفهم اختلاف الآخر، وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم ليحيا البشر على كافة أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم بسلام سوياً.”([4])
ب- كما أن من اهتمامات الاستشراق بالفرق المقصية من الخطاب المركزي سابقا مثل: والإسماعيلية وغيرها من الفرق المهمشة.
ج- وقد حرص الاستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم الإسلامي، فمن ذلك الكلية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة الأمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت واسطنبول ودبي.ساهمة بالتأثير الحداثوي الغربي في المنطقة.([5])
ثالثا- الهدف التجاري:
لقد كانت المؤسسات والشركات الكبرى، والملوك كذلك، يدفعون المال الوفير للباحثين، من أجل معرفة البلاد الإسلامية وكتابة تقارير عنها، وقد كان ذلك جليا في عصر ما قبل الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي في القرنين التاسع والعشرين. وكان لهذا تأثير: إذ الغرب سعى إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي الاشتراكي والرأسمالي وذلك بمحاربة النظام الاقتصادي الإسلامي تشجيع الصناعة في البلاد الإسلامية دون الاستعداد الكافي لها، وإهمال قطاع الزراعة فقد اقتنع العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة، ولذلك أهملت الزراعة إهمالاً شبه كلي، مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت بالاهتمام بالزراعة وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في العالم. ممكن أن نرصد التجربه الامريكية في اول مسعى لها خارج اراضيها ” ونظراً إلى هذا الإخفاق في كسب ود حكام الجزائر وليبيا بخاصة، عمدت الحكومة الأمريكية إلى تأسيس وإطلاق قوة بحرية خاصة من ست سفن (لم يزل الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط يسمى بـ «الأسطول السادس» نسبة للسفن الست لحماية الأنشطة البحرية الأمريكية في هذه المناطق. وقد حدثت مناوشات عسكرية قرب السواحل الليبية بين هذه السفن والملاحين المحليين: وتعد هذه الاحتكاكات أول حرب تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها خارج حدودها الإقليمية عام 1801م. وعلى الرغم من فشل هذا الأسطول الصغير في تأمين السيطرة على الشريط الساحلي الليبي، بقيت هذه المغامرة العسكرية الأولى راسخة في الذاكرة الأمريكية، إذ يستذكرها جنود البحرية الأمريكية صباح كل يوم وهم يرددون النشيد القومي الخاص بقواتهم. ولكن علينا هنا أن نتريث خشية سوء الفهم، ذلك أن هذه الاحتكاكات المحدودة لم تكن قط من ذات النوع الذي جسدته المداخلات العسكرية الأوروبية (الفرنسية والبريطانية والبرتغالية مثلاً) في تلك الحقبة وما سبقها. بينما كانت الأساطيل الأوروبية تسعى إلى بناء إمبراطوريات من خلال عملية الضم أو إلى ضمان طرق التجارة الرئيسية مع الشرق الأقصى من خلال تأسيس قواعد حماية ثابتة في المضايق العربية، لم تكن أمريكا آنذاك تفكر بتأسيس إمبراطورية على الطريقة الأوروبية، بقدر ما كانت ترنو إلى استكشاف الشرق العربي واستشراف آفاق تأسيس أواصر اقتصادية وتجارية مع أقاليم البحر المتوسط والمناطق المتاخمة له. “([6])
رابعا- الهدف العلمي الخالص:بعضهم اتجه إلى البحث والتمحيص لمعرفة الحقيقة خالصة، وقد وصل بعض هؤلاء إلى الإسلام ودخل فيه، نذكر منهم:
1- توماس أرنولد الذي أنصف المسلمين في كتابه الدعوة إلى الإسلام.
2 -المستشرق الفرنسي رينيه فقد أسلم وعاش في الجزائر وله كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام مات في فرنسا لكنه دفن في الجزائر.
الاستشراق الأكاديمي: أما الاستشراق الأكاديمي فهو المنهج الأرصن والأهم, وكل الأنماط السابقة والمناهج إنما ترجع في نشأتها إليه, فغالباً ما يتلقى المستشرق السياسي أو الديني وإلى حد ما الأدبي عملية إعداد تمهيدية أساسية على أيدي نظيرهم الأكاديمي إن أهم سمات النشاط الأكاديمي الاستشراقي الاهتمام باللغة العربية أو أحد أهم السمات اللغات السامية, وتعمق مع حركة النقد للنصوص في العهد القديم خلال القرن التاسع عشر, وأن الكتاب المقدس وكأنه وثيقة تاريخية يجب أن تخضع للنقد والتحليل. ولم يصبح للدراسات الإنسانية حقل خاص به إلا في مطلع القرن العشرين على أيدي المستشرق الألماني كارل هاينريش وبيكر والهولندي ستوك هور خروينة والنمساوي اكناس كولد زيهر.([7])
[1] هشام جعيط: أوروبا والإسلام، صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، بيروت، 1995، ص41
[2] منذ أن قدم الحاخام الألماني أبراهام عمله الشهير “ماذا اخذ محمد عن اليهودية ” في نهاية القرن التاسع عشر، والحديث لا يهدأ عن الأثر المفرط لليهودية الحاخامية في الإسلام، بل تطرف بعضهم فاعتبر أن الإسلام لم يتمايز عن اليهودية إلا بعد الحروب الصليبية، مثل الباحث السوفيتي موروزوف.
ومن أشهر إتباع هذا التيار: الباحث الألماني ” ه. شباير ” صاحب الكتاب الشهير ” الحكايات الكتابية في القران “والباحث الألماني أيضا” ي.هورفيتش”، وفي السبعينات ظهرت الباحثة الألمانية” باتريشيا كرونه” معتبر هذا الدين الذي كان ” قوة بربرية حملت قيما يهودية”ولهذا التيار إمدادات في الثقافة العلمانية العربية مثل: نبيل فياض…….
[3] انظر: موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة.
[4] آنه ماري شيمل وحوار الحضارات، هاينتس هالمز/عن كتابه (العرب) (Die Araber)،ترجمة: ماهر حوني حبيب، موقع الحضارية،الأحد: 19/08/2007
[5] انظر: موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة..
[6] انظر التقديم في: السيد عوض عثمان، العلاقات الليبية – الأمريكية، 1940م – 1942م (القاهرة: مركز الحضارة العربية، 1994م): 4.
[7] انظر: موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة.